يقول المصنف رحمه الله: [وهذا لأن الإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بعلم الله القديم، وما أظهر من علمه الذي لا يحاط به، وكتابة مقادير الخلائق.
وقد ضل في هذا الموضع خلائق من المشركين والصابئين والفلاسفة وغيرهم]، أمم وطوائف ضلوا في الإيمان بعلم الله وكتابته. وهم قد ضلوا في كثير من الأمور إلا أنه يجمعهم الضلال في هذا الأمر.
فمنهم: المشركون الذين يزعمون أو يدَّعون لآلهتهم ومعبوداتهم العلم المطلق، فإن بعض الطوائف تدعي أن معبودها -أو من تعظمه- يعلم الغيب؛ سواء نفت ذلك عن الله تعالى وجعلته لذلك المعبود، كما تفعله بعض أمم الشرك في الأرض قديماً وحديثاً، أو جعلوا له العلم المطلق -أو علم الغيب- مع إيمانهم بعلم الله تعالى، أي: أشركوا بالله في صفة من صفاته، فجعلوا هذه الصفة التي هي من خصائص الألوهية لذلك البشر، وهذا ظاهر وموجود حتى في هذه الأمة، فإن من المنتسبين للإسلام من هذا دينه وديدنه؛ فإن منهم مَنْ جعل علم الغيب المطلق للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء البوصيري صاحب البردة حين قال:
فإن من جودك الدنيا وضرتها            ومن علومك علم اللوح والقلم
فجعل علم اللوح والقلم -وهي الكتابة التي هي مقتضى العلم ومطابقه- جعلها جزءاً من علوم النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما كتب في اللوح المحفوظ هو ما كان وما هو كائن وما سيكون، قال تعالى: ((وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ))[يس:12]، فمعنى البيت: أن معرفة كل شيء جزء من علم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كفر صريح -نسأل الله العفو والعافية- وليس بعد هذا الغلو في هذه المسألة من غلو.
ومنهم من نسب ذلك إلى الأولياء، وما أكثر ما ينسب الصوفية ذلك إلى أوليائهم، فإن القادرية تدعي ذلك لـعبد القادر الجيلاني، والأحمدية البدوية تدعيه لـأحمد البدوي، والأحمدية الرفاعية تدعيه للرفاعي، فهم يزعمون أن الله تبارك وتعالى قد أنابهم ووكلهم، وفوض إليهم تصريف السموات والأرض، وأطلعهم على علم الغيب!!
ومن أشهر الفرق التي ضلت في هذا السبيل الروافض ؛ فإن كتبهم تصرح بأن أئمتهم يعلمون الغيب؛ فهم يعلمون ما كان وما سيكون، وقد جعل صاحب أصول الكافي لذلك باباً، فقال: باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون.. إذاً ماذا بقي لرب العالمين سبحانه وتعالى؟!!